الأُخُوَّة الإنسانية.. دعوة عالمية للحوار والتآخي بين البشر
يحتفل العالم اليوم بـ «اليوم الدولي للأخوّة الإنسانية»، وبالذكرى الرابعة لوثيقة «الأخوّة الإنسانية» التاريخية التي وقعها فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، وقداسة البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، يوم 4 فبراير عام 2019 على أرض دولة الإمارات، أرض التسامح والسلام.
ويمثل هذا الحدث العالمي المهم فرصة سنوية لإلقاء الضوء على مبادئ وقيم هذه الوثيقة، والبحث عن أفضل الممارسات التي من شأنها أن تمهد الطريق لعالم أكثر سِلماً وتسامحاً وتعايشاً، في وقت يبدو فيه العالم أحوج ما يكون إلى تعزيز هذه القيم لمواصلة مسيرة تطوره الحضاري.
لقد جاءت هذه الوثيقة التاريخية محمَّلة برؤية فلسفية للعالم، فهي تنهض على مبدأ وحدة الخلق لكون البشر جميعاً خُلِقوا من نفسٍ واحدة، وتدعو إلى عدم التمييز بين الناس على أي أساسٍ كان، عرقياً أو ثقافياً أو دينياً أو اجتماعياً أو اقتصادياً أو سياسياً. كما أنها لم تحصر أهدافها فقط في الحوار الإسلامي- المسيحي، وثقافة التسامح والعيش المشترك وضرورتهما في هذا العالم الصعب والمضطرب الذي نعيش فيه، لكنها تطرقت أيضاً لقضايا عالمية تشغل الأفراد والمجتمعات والدول والمؤسسات الدولية المعاصرة، كالفقر والتهميش، والهجرة، والحروب، والتعصب الديني، والصراعات الدولية، والإرهاب، والتحديات التي تواجه الحرية والتعددية، والعلاقة بين الشرق والغرب والشمال والجنوب، وحقوق الطفل والمرأة والمسنِّين.
والأخوّة الإنسانية تفترض أيضاً المسؤولية المشتركة عن الأرض وإعمارها واستدامتها، فمن دون التسامح والتعاون المشترك كإخوة متحابين ومتسامحين لا يمكن مواجهة التحديات المشتركة التي تواجه البشر بمختلف انتماءاتهم وثقافاتهم.
ومن هنا لم يكن غريباً على سبيل المثال أن يدعو شيخ الأزهر في نهاية عام 2022 إلى استثمار وثيقة الأخوّة الإنسانية في تحويل حوار الأديان إلى واقع عملي يسهم في مجابهة تحديات عالمنا المعاصر، وفي القلب منها قضية المناخ، وبالتزامن مع ذلك جاء إعلان الفاتيكان أيضاً نهاية العام الماضي انضمامه إلى اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ وإلى اتفاق باريس للمناخ.
وما من شك في أن هذا المفهوم الذي تم صكُّه وترسيخه على أرض دولة الإمارات قبل أن ينتشر عالمياً ويصبح مناسبة دولية يحتفل بها العالم كل عام، يتضمن في داخله وفي الأسس التي يقوم عليها، دعوة عالمية للحوار والتآخي بين البشر جميعاً، باعتبار ذلك هو السبيل الوحيد لتحقيق السلام والرخاء الذي تنشده كل الشعوب.
استناداً إلى ذلك، وانطلاقاً من الدعوة التي تضمنتها الوثيقة لقادة الفكر والرأي لنشر القيم التي تضمنتها، كان مركز تريندز للبحوث والاستشارات في طليعة المراكز التي أولت وثيقة الإخوة الإنسانية الاهتمام الذي يليق بها، إذ يمتلك المركز برنامجاً بحثياً بعنوان «التسامح والتعايش» ينشر من خلاله، باللغتين العربية والإنجليزية، أوراقاً بحثية ودراسات رصينة تتناول هذه القيمة، كما ينظم العديد من الفعاليات التي يستضيف فيها نخبة من المفكرين والمثقفين والعلماء المختصين من مختلِف دول العالم للتوعية بهذه القيمة السامية، وذلك كله بهدف نشرها وتعزيزها في مختلف أرجاء العالم.
كما يدعم المركز أهداف الوثيقة من خلال ما يقوم به من جهد مميز وضخم في تفكيك ونقد أفكار الجماعات المتطرفة والإرهابية، حتى أصبح يمثل مرجعية أساسية في هذا المجال.
د. محمد عبدالله العلي
*الرئيس التنفيذي- تريندز للبحوث والاستشارات